من طرف fadi-84- الخميس 10 نوفمبر 2011 - 1:29
كما وعدتك بردي السابق وهذا هو المقال
بقلم : كنان مصطفى الكردي
أول خطوة في طريق الشفاء هي تشخيص المرض, و من ثم تناول العلاج الملائم, فهل نتبع هذا الأسلوب العلمي مع داء الفتنة الطائفية؟ هل هناك من دواء؟ هل هو متوفر و يمكننا تناوله؟ هل المصابون به قابلون للشفاء؟ هل هو مرض معدي؟
للأسف الإجابة عن هذه التساؤلات ما تزال سلبية في مجتمعنا, ففي هذا انقسمنا فرقاً و مذاهب, فريق ما زال يكابر و ينكر وجود الداء, و فريق يراه عضالاً بلا دواء, و فريق لا يرى له دواء إلا الاستئصال, و فريق يرى الدواء عند الغرب, و فريقاً يرى الدواء في التاريخ, و لكن الحقيقة المرة أننا ما زلنا مرضى, لا بل المرض ينتشر و يتوسع أكثر فأكثر.
و يبقى لنا البحث العلمي كأكثر الخيارات أملاً في الوقاية و العلاج من الفتنة الطائفية, وذلك عبر دراسة أسبابها, انتشارها, محفزات انتشارها, طرق علاجها, نسبة الشفاء, تجارب الشعوب الأخرى و هكذا ..., لكن أن نعالجها فقط بنشرات الأخبار و الأغاني فهذا غير كافٍ لا لتجنبها و لا لعلاجها.
في البداية وجب علينا الحذر أن داء الفتنة الطائفية ممكن أن يظهر بأشكال أخرى, كالفتنة بين المناطق الجغرافية, و الفتنة القبلية, و الفتنة الدينية, و الفتنة العرقية ..., لذلك علينا البحث عن دواء ناجع لكل أنواع الفتن و التي على ما يبدو ستغزو مجتمعنا الواحدة تلو الأخرى.
إن التنوع الطائفي سنة من سنن الله في الأرض و لو شاء الله لخلق الناس من لون و ملة واحدة, لكن خلقهم مختلفين ليكون اختلافهم امتحاناً لهم و مصدر غنى للبشرية لا ينضب, لكن البشر حولوا هذا التنوع إلى نزاعات و حروب, فمهما حاولنا إلغاء انتماءنا الطائفي لن ننجح, لأننا سنكون كمن يحاول إلغاء سنة من سنن الله في الأرض و قانون من خلق الله, لم يسنه الخالق ليأتي عبده و يلغيه.
فالطائفية انتماء, و غالباً ما تكون موروثة لا مكتسبة, فانتمائنا الجغرافي و العرقي و الديني لا يمكننا اختياره بل نحن مجبرين عليه, لكن الداء لا يكمن في الانتماء بل في الولاء و تبعات و ممارسات هذا الولاء.
فبمعنى الانتماء جميعنا طائفيون, لكن بمعنى الولاء الطائفي هناك تباين, و معالجة الفتنة الطائفية بمحاولة إلغاء الانتماء الطائفي ما هو إلا عمل عبثي لا نتيجة له, لكن معالجة الولاء الطائفي هو المطلوب ليتم تأطيره ضمن ممارسات لا تتعدى على أبعد حد الشعائر الدينية و الزواج و الأحوال الشخصية.
و إذا أسقطنا ما سلف على المجتمع السوري لنرى كيفية ترتيب ولاءاتنا, لوجدنا للأسف أننا غير موالين لسوريا بالدرجة الأولى, و هو ما يجعلنا مؤهلين للفتنة الطائفية, و لربما يأتي انتماؤنا لسوريا بالمرتبة الأخيرة, فمجتمعاتنا تعنى بالمرتبة الأولى بالولاء لجغرافيا المنشأ و الذي يكافئ الانتماء القبلي, حيث حلت المدينة مكان القبيلة مع الاحتفاظ بكل مساوئ الولاء القبلي.
و إمعاناً في البحث يمكن لنا رصد ترتيب الولاءات في سوريا من خلال كيفية تشكل الجماعات في الخدمة العسكرية الإلزامية, حيث تختلط مجموعة بشرية كبيرة و من ثمن تراها تتشكل بإرادتها, فإذا بها تتشكل في جماعات صغيرة حول الطعام أو في تجاور الأسّرة وفق ولاءات هؤلاء الأفراد, و ذلك بشكل غريزي و سريع و من دون إعمال للفكر.
ففي المرتبة الأولى يأتي الولاء للمنطقة, و في المرتبة الثانية يأتي الولاء العرقي و من ثم الديني و من ثم الولاء المذهبي و في المرتبة الأخيرة هناك الولاء لسوريا, هذا إن تم إدراكه.
و يمكننا القول أن أكثر ما يستطيع المفتون طائفياً القيام به هو قتل الآخر المختلف, لكنه بالتأكيد لن يتمكن من محو طائفته, و هو بذلك سيخلق ثأراً إن لم يمت هو به, مات به أولاده من بعده, و بالتالي يمكننا صياغة قانون الفعل الطائفي, (الفعل الطائفي مهما بلغ فهو مؤقت, و لا بد من رد فعل له عاجلاً أم آجلاً), و بناءاَ عليه فالأولى السعي إلى العيش المشترك الدائم الذي يشكل الملاذ الآمن للجميع.
و بعد هذا التشخيص هل من علاج؟
إن أول جرعة في العلاج هي إعادة ترتيب ولاءات انتماءاتنا لا أن نحيا معها بشكل غريزي, و نستدل على ذلك بنجاح عدة جماعات عابرة للدول استطاعت كسر كافة الانتماءات الجغرافية و العرقية و الدينية, لتقوم بإعادة هيكلة انتماءات المنتسبين لها وفق امتيازات معينة و إرساء ولاء جديد لهم, حتى يصبح في النهاية الولاء لهذه الجماعة فقط, و يكون منتسبيها على درجة عالية من الوفاء لهذا الولاء, و هو ما يمكننا التعبير عنه بتصنيع الولاء عبر امتياز الانتماء, أي لا يكون الولاء غريزي أو موروث بل مكتسب, و تزداد شدته بازدياد مميزات الانتماء. و بهذا نصل إلى نتيجة مهمة و هي قدرة الفرد على اكتساب أو تحييد انتماؤه, أي التحكم به, و بالتالي الوقاية من أمراض الانتماء.
و يمكنني القول أن العلاج متوفر بنسبة 80% على مستوى السلطة و 20% على مستوى الأفراد, و الدواء الناجع المناسب لحالتنا التي باتت مستعصية, هو أن يكون ولاؤنا الأول لسوريا فقط, من دون إفراط أو تفريط, أي لا يكون ولاؤنا الأول لكيانات اجتماعية أكبر من سوريا دينية كانت أم عرقية, أو داخل سوريا لحزب أو منطقة أو مذهب.
و لكن لا يمكننا إعادة ترتيب ولاءاتنا لتكون سوريا أولاً إلا بإقناع أفراد سوريا بدولة سوريا, و عدم ترك هذا الأمر ليتشكل في أدمغتنا بشكل كيفي, و هو ما تستطيع السلطة إنجازه من خلال الإعلاء من دولة القانون و المؤسسات و عدم السماح بأي امتياز لأي انتماء كان, فمن أخطاء المرحلة السابقة و التي أقرت السلطة بها هي إعطاء امتيازات لحزب البعث و بالتالي باتت سوريا دولة حزب أي دولة للحزبيين لا دولة لكافة السوريين, الأمر الذي أحدث خللاً في الولاءات عند باقي أفراد المجتمع, حيث قاموا برد فعل غريزي و عادوا إلى انتماءاتهم و ولاءاتهم الموروثة, ليأخذ المجتمع السوري صيغة مجتمع ذو انتماءات بدائية.
و علينا نحن السوريين عدم انتظار السلطة لتناول العلاج, و مهما كان سلوكها سلبياً أو إيجابياً, فالدواء ليس حكراً عليها و يمكننا بمزيد من الوعي و الثقافة التغلب على هذه الآفة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه تشخيص و لا علاج .
منقول