ابتسامة صغيرة تعلو شفاهه وهو يضع آخر مكعب ليكتمل كوخه الملون لم يكن يملك الكثير من المكعبات فاكتفى بصنع شكل مربع
يشبه كوخا صغير كان قد رسمه في مخيلته ليختبئ بداخله من كل شيء يكرهه .. فقد بدا بالنسبة له الملجأ الوحيد
زحف على يديه وحشر نفسه داخل ذلك الكوخ, لم يكن المكان واسعا للغاية فبقي قفاه في الخارج لكنه سعيد بالرغم من ضيق المكان فأحلامه كلها قد تححقت بالجلوس هنا
وسيم تعى شوف هالحمار وين داحش حالو .. تعا
شو روبنسوم كلوظو -اسم الدلع لروبنسون كروزو- شو هالخيمة الفلاجية هي .. قوم ولا أجدب قوم أحسن ما كسرك أنت وهالكومة زبالة اللي قاعدلي فيها
كان صوته يظهر بالكاد نتجة الاختناق الذي تعانيه جوزة حلقه وهي محصورة بين فخذيه في هذا المكان الضيق
أنتو ثثثثثثثو ددددخلكون أنننا هون مبثوط ..
مبثوط .. مبثوط هع هع هع اسمع وسيم اسمع أخوك الأجدب التأتوء .. قال مبثوط
دفع أحمد بوسيم وفي حركة واحدة سقط كلاهما ليهدما أحلامه مع آخر مكعب أصفر تدحرج تحت الطاولة
لك قومو من عني خنقتوني .. لك أنا ما بحبكون قومو من عني
أخذت الزفرات والتنهيدات الغاضبة تغلي استعدادا لانفجار كل مافي داخله من أحقاد
وتلاحقت أنفاسه وصدره بدأ يعلو ويهبط في حركة سريعة ثم انفجر باكيا
أوعى هه على أساس هدمنالك قصر يلدز يا أجدب
كان قد اعتاد سخريتهم فهو بالنسبة لهم مسخرة البيت ولا يزال إلى الآن يعجز عن التحدث بالسرعة المعتادة
فمنذ أن قام والده بضربه تلك الليلة في الحمام وإلى اليوم وهو يلقب بالتأتوء الأجدب
وسيم .. قال في واحد أجدب بعتتو أمو يجيب خضرة قام شو جاب ياحزرك؟
كزبرة بدل البقدونس .. ردد أحمد ضاحكا بصوت كان كافيا مرة تلو الأخرى لأن يهز شخصيته أكثر فأكثر
حاول أن لايكترث لما يقولون فهو يعلم أنه لم يكن خطأه في ذلك اليوم ربما هو خطأ البائع
هز كتفيه الصغيرين وتابع كتابة وظائفه وهو يقول : جلب بابا الحلوى .. فرحت ريم فرح باسم
ليك ليك وسيم هالخط المفشكل
هع هع هع يمكن الكلمات رايحين يشربو مي
قرالنا شو كتبت ..
ججج للللب بببببببابا الحيوى ردد أحمد بسخرية مقلدا
اكتفى بالصمت فقد أصبحت مضايقاتهم أمرا معتادا بالنسبة له
سحب وسيم الدفتر .. لا لا خطك مو عاجبني ومزق له الصفحة بأكملها وانطلقا ضاحكين
كانا يعتبران هذا نوعا من المزاح والمضايقات المشروعة التي يمارسها أي أخوة على أخيهم الصغير لكن لم يعرفا من قبل أن كل ماسبق كان يهدم فيه كل معاني الطفولة ليصبح كتلة متحدة من العقد التي لن تنحل مع مرور الزمن
ماما أنا بنزل بجبلك غراض .. صاح فرحا
لا حبيبي معلش مو أنت ..المرة الجاية ببعتك هلأ كمل وظيفتك
الله يوفقك -كان يريد أن يثبت لهم أنه رجل يعتمد عليه وأنه سيستطيع أن يفهم البائع مايريد بحروفه المتعتعة
طيب حبيبي امسيك بدي ربطة خبز وعلبة لبنة وكيس ملح .. انتظر لأكتبهون على ورقة
لللاا ححححفظتون .. خلللص أنتي شو بددك هاتي
أمسك بكلتا قبضتيه الناعمتين على النقود وانطلق فرحا إلى الزقاق
وسيم الحقه الله يجبرك ياأمي .. بس من بعيد لبعيد شوفو لا يقوم حدا يدايقو .. بعدين المطر نازلة بركي زحط على خلقتو
ولي علينا شو بضلي آكله همو بعدين كلون بختين مطر مارح يقتلو لحبيب أمو
بعد رجاء ودعاء والله يرضى عليك ومدري شو ارتدى وسيم سترته ونزل مثقل الخطى ليلحق بأخيه الأجدب التأتوء أبو أربع عيون -كما يسيميه-
مرحبا أبو زكي شو وينو أخي ما مر لعندك؟
لا والله ما شفتوه
لعمى لوين راح هالأجدب صرلها أمو ربع ساعة باعتو .. طب شكرا
توقفت خطاه المتثاقلة عند الزقاق المظلم وتسمرت عيناه وكأن صاعقة قد نزلت على رأسه
صاح بكل ما أوتي من قوة وهو يهرول نحو الهدف : بعد عنو يابن الكلب أنت وياه ولك ولااااا بعيـــد
وهرب جميع الأطفال وهم يصيحون : التأتوء الأجدب .. أبو أربع عيون
كان متمددا على الأرض وشفتاه الصغيرتان تقطران دما وزحات المطر تملأ عينيه الدامعتين وإلى جانبه نظارته المحطمة وكف صغيرة متسخة بالطين تبحث عنها يمنة ويسره
رغم أن وسيم كان دوما بناديه بتلك الألقاب إلا أنه عندما سمع صبية الزقاق ينعتونه بها اليوم أحس بشعور مختلف
ببببعععد عني ييييييييييييي صاح وهو يتلعثم بالحروف أنننننا ما بحبببببب وانقطع صوته إذ كانت الدموع تزيد من تلعثمه ودوما يخونه صوته عندما يقع في مأزق
حمله وسيم بين ذراعيه بالرغم من كل الركلات التي كان يتلقاها منه ,ضمه إلى صدره بكل قوة وأقسم أنه سيجعل منه رجلا من الآن فصاعدا
داس على تلك النظارة المحطمة وأكمل طريقه إلى المنزل
منذ ذلك اليوم استبدل وسيم وأحمد كل تلك الألقاب بكلمة شيخ الشباب .. ربما لن ينسى وسيم مدى عمره منظر تلك النظارة المحطمة