يقال أن أعلى ( أقدام ) اللاعبين أجوراً في كأس
العالم الحالي ، ميسي بـ 80 مليون
يورو ، رونالدو بـ 75 مليون
يورو ، هيرنانديز بـ 65 مليون
يورو ، أندريس إنييستا بـ60 مليون
يورو ! وهكذا نشهد رمي الأموال والأوسمة والألقاب والتقديرات عند أقدام
أولئك اللاعبين !
فاللاعب يحمل على الأعناق ، ويقدر كل تقدير ،
ويقدم في المحافل الرسمية ، وتتلهف الصحف إلى أخباره والقنوات إلى
تصريحاته ، ( ما دامت قدماه تعمل
) ، بينما نرى الكثير من العلماء والمفكرين والمبدعين ، لا يعبأ بهم ،
ولا يُتذكرون إلا بعيد وفاتهم ، ولذا حق للعقول أن تفكر في الهجرة إلى الأقدام !
أعتقد لو
أن عنترة عاش في زماننا ،
ورأى ما يعطى لـ(رافسي )
وراكلي الكرات من أوسمة ونياشين ومجد وبطولات ، لفضل الهجوم في الملاعب على الهجوم في المعارك ، ومقارعة الأهداف على مقارعة
السيوف ، ولو عاش حاتم الطائي
، لفضل أن يكون ضمن تشكيلة ( الطائيين ) على أن يكون كريماً ، ولو عاش المتنبي ، لفضل ضرب الكرات على
كتابة الأبيات ، ولا أستبعد أن يعشق مجنون
ليلى ، الكرة أكثر من ليلى
!
تحولت كرة القدم بمصلحاتها إلى أشبه ما يكون بحرب ، فهجوم ودفاع ، خط وسط وميمنة وميسرة ،
هدف وتسلل وضربة جزاء ، طرد وفصل ، تشجيع وتعصب ، فوز وبطولة ، كلها
مصطلحات لا تذكر إلا بالملاعب
الدموية !
تعيش البشرية الآن ، كأس العالم 2010 ، وسيُشغل العالم في تلك القضية
العظمى والمعضلة الكبرى ، سينشغل الجرحى عن جرحاهم بمتابعة ركلات رونالدو ،
والفاقدون عن مفقوديهم بأهداف الأرجنتين ، والمصابون عن إصاباتهم بمبارة
الكأس ، وسيقف العالم مشدوهاً ومترقباً للأرجل التي تركل ، والأيادي التي
تصفق !
وكعادتنا ،
سنضيع عشرات وعشرات الساعات ، لنتابع المباريات ، وسنتعب أيدينا بالتصفيق
وحناجرنا بالصياح ، وسندفع أموالاً لنتابع هذه المباريات ، ولا أدري ما الذي
سيضيرنا إن فازت البرازيل و
الأرجنتين ، أو فازت بروكينا فاسو وجزر القمر !
الكل يكسب في هذه المونديالات ،
الفيفا واللاعبون والمحكمون والقنوات الفضائية وشركات الإعلان ، والشركات
التجارية وخطوط الطيران ، وحتى مقاهي الانترنت والأندية الرياضية ،
والخاسر الوحيد هو نحن ، نخسر أوقاتنا التي تضيع هباءاً ، وأموالنا التي
تصرف مقابل المتابعة !
وليت
المتابعة تقتصر على شوطي المبارة ، لا بل لا بد من مشاهدة الإعادة
وإعادة اللقطات الحاسمة ، والتحليل الرياضي وتحليل التحليل ، وتصريحات
الفيفا واللاعبين ، ومتابعة الصحف الرياضية في اليوم التالي وقراءة مقالات
وتحقيقات حول المباراة ووو ... ولا ننتهي !
أتمنى أن نصل يوماً إلى ثقافة النافع وغير النافع ،
أن نهتم بالنافع ونرمي غير النافع والذي لا طائل منه وراء ظهورنا ، لا
أدعو إلى تطليق مشاهدة المباريات بالثلاث طلاقاً بائناً ، ولكن محاولة
التخفيف والترك أفضل ..
أنا
لا أطالب بأعالي الهمم ، ولا أقول استبدلوا وقت المشاهدة بالصلاة
أو بقراءة القرآن ، فنفسي أحوج لأن أأمرها بهذا ، لكن أقول إن مشاهدة برنامج مفيد أفضل من مشاهدة أهداف ميسي كلها ، والجلوس مع الأهل والأصدقاء جلسة خير
أفضل من مباراة البرازيل والأرجنتين ، وقراءة كتاب نافع ، خير من متابعة المونديال كله !
وما أجمل أن نبدل الدور الذي نلعبه ، فبدل أن نجلس خلف الشاشات ، فلنعش
الجو ولنكن نحن اللاعبين ، فعلى الأقل سنجد فائدة ولو قليلة بدل اللاشيء ..
لمن لم يعجبه كلامي أعلاه ،
دعك من هذا الهراء ، واجتهد في متابعة 64 مباراة ( هذا إن تنازلت عن متابعة ما بعد المباراة ) ، لكل
منها ساعة ونص ، ومبارك لك خسارة 96
ساعة من حياتك !
حين تهاجر العقول من الرؤوس إلى الأقدام ،
قد لا ألومها بل أتمنى لها رحلة سعيدة وهجرةً موفقة ، وعلى الدنيا السلام